الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***
لما كان القطع حكم السرقة ذكره عقبها؛ لأن حكم الشيء يعقبه بحر (قوله تقطع يمين السارق) أي ولو كانت شلاء أو مقطوعة الأصابع أو الإبهام، وإن كانت اليمنى مقطوعة قبل ذلك قطعت رجله اليسرى، فإن كانت رجله اليسرى مقطوعة قبل ذلك لم يقطع ويضمن السرقة ويحبس حتى يتوب جوهرة (قوله من زنده) بفتح الزاي وسكون النون (قوله هو مفصل الرسغ) الإضافة بيانية. قال في النهر من مفصل الزند وهو الرسغ: قال الجوهري: الزند موصل طرف الذراع وهما زندان الكوع والكرسوع فالكوع طرف الزند الذي يلي الإبهام. والكرسوع: طرف الزند الذي يلي الخنصر. ا هـ. ح (قوله وتحسم) بالحاء المهملة: أي تكوى بزيت مغلي ونحوه نهر، ومثله في المغرب. وقال مسكين: الحسم الكي بحديدة محماة لئلا يسيل دمه (قوله وجوبا) أي كما يفيده قول الهداية؛ لأنه لو لم يحسم يؤدي إلى التلف فتح، وقد صرح به القهستاني (قوله إلا في حر وبرد شديدين) وإلا في حال مرض مفتاح، وقيده في البناية بالمرض الشديد أفاده ط عن الحموي (قوله فلا يقطع) إنما ذكره ليفيد أن الاستثناء من قوله تقطع لا من قوله تحسم وإن قرب ذكره ط (قوله ليتوسط الأمر) أي أمر الحر والبرد (قوله ومؤنته) أي مؤنة القطع: أي ما ينفق فيه، وبينها بقوله كأجرة حداد: أي من يباشر الحد وهو القطع هنا، وقوله وكلفة حسم يشمل ثمن الزيت وكذا ثمن حطب وأجرة إناء يغلي فيه الزيت. [تنبيه] يسن عند الشافعي وأحمد تعليق يده في عنقه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أمر به. وعندنا ذلك مطلق للإمام إن رآه، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في كل من قطعه ليكون سنة فتح (قوله كالسارق) محل هذه الكلمة عقب قوله على المتمرد: قال في شرح الوهبانية: قيل أجرة المشخص أي المحضر للخصوم في بيت المال، وقيل على المتمرد كالسارق إذا قطعت يده فأجرة الحداد والدهن الذي تحسم به العروق على السارق؛ لأنه المتسبب. ا هـ. ح (قوله من الكعب) أي لا من نصف القدم من مقعد الشراك خلافا للروافض (قوله إن عاد) أي بعدما قطعت يمينه وإلا بأن سرق مرات قبل القطع تقطع يمينه للكل؛ لأنه يكتفى بحد واحد لجنايات اتحد جنسها كما تقدم بيانه قبيل باب التعزير (قوله حتى يتوب إلخ) أي أو يموت فتح: وفي القهستاني: ومدة التوبة مفوضة إلى رأي الإمام وقيل ممتدة إلى أن يظهر سيما الصالحين في وجهه، وقيل يحبس سنة، وقيل إلى أن يموت كما في الكفاية ا هـ. (قوله ثالثا ورابعا) أي اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى (قوله إن صح حمل على السياسة أو نسخ) أشار إلى ما قاله الإمام الطحاوي: تتبعنا هذه الآثار فلم نجد لشيء منها أصلا، قال في الفتح: وفي المبسوط الحديث غير صحيح. ولئن سلم يحمل على الانتساخ؛ لأنه كان في الابتداء تغليظ في الحدود كقطع أيدي العرنيين وأرجلهم وسمر أعينهم. ثم قال في الفتح بعد نقله: مثل مذهبنا عن علي وابن عباس وعمر أن هذا قد ثبت ثبوتا لا مرد له، وبعيد أن يقطع صلى الله عليه وسلم أربعة السارق ثم يقتله ولا يعلمه مثل علي وابن عباس وعمر من الصحابة الملازمين، ولو غابوا لا بد من علمهم عادة، فامتناع علي رضي الله تعالى عنه إما لضعف ما مر أو لعلمه بأن ذلك ليس حدا مستمرا، بل من رأى الإمام قتله لما شاهد فيه من السعي بالفساد في الأرض وبعد الطباع عن الرجوع، فله قتله سياسة فيفعل ذلك القتل المعنوي ا هـ. أي أن قطع أربعته قتل معنى، فإذا رأى أن له قتله سياسة فله قتله معنى، وهذا يشير إلى ما قدمناه من أن له قتله سياسة في الثالثة تأمل (قوله كمن سرق إلخ) أي كما لا يقطع بل يحبس حتى يتوب من سرق إلخ؛ لأن القطع حينئذ تفويت جنس المنفعة بطشا وذلك إهلاك، وفوت الأصبعين منها يقوم مقام فوت الإبهام في نقصان البطش، بخلاف فوت واحدة غير الإبهام. لم قيد باليسرى؛ لأن اليمنى لو كانت شلاء أو ناقصة الأصابع قطع في ظاهر الرواية؛ لأن استيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز نهر (قوله أو رجله اليمنى مقطوعة) قيد بقطعها؛ لأن المقطوع لو كان هو الأصابع منها، فإن استطاع المشي قطعت يده وإلا لا كما في البحر عن السراج؛ وقيد باليمنى؛ لأنه لو كانت رجله اليسرى مقطوعة قطع. قال في كافي الحاكم: وإن كانت رجله اليسرى شلاء قطعت يده اليمنى ا هـ. فلو يده اليمنى أيضا مقطوعة لم يقطع كما قدمناه أول الباب (قوله لم يقطع) أي لم يقطع يده اليمنى في جميع ما ذكر كما نص عليه في غاية البيان، خلافا لما يوهمه كلام العيني والنهر، حيث قالا لا تقطع رجله اليسرى. ا هـ. وأجاب ابن الشلبي بأنه محمول على ما إذا سرق ثانيا، والحال أن رجله اليمنى مقطوعة فإنه حينئذ لا تقطع رجله اليسرى. قال: وهذا الحمل صحيح، لكنه بعيد مخالف لما يقتضيه سياق الكلام (قوله؛ لأنه إهلاك) أي بتفويت جنس منفعة البطش أو المشي؛ لأنه إذا لم يكن له يد ورجل من طرف واحد لم يقدر على المشي أصلا، بخلاف ما إذا كان من طرفين فإنه حينئذ يضع العصا تحت إبطه ابن كمال (قوله ولا يضمن) غير أنه يؤدب نهر: أي إن كان عمدا بحر عن الفتح (قوله ولو عمدا) هذا عند الإمام، وقالا: إنه يضمن في العمد أرش اليسار. وقال زفر: يضمن مطلقا أي في العمد والخطأ، والمراد بالخطأ هو الخطأ في الاجتهاد من القاطع في أن قطعها يجزي نظرا إلى إطلاق النص. أما الخطأ في معرفة اليمين من اليسار فلا يجعل عفوا؛ لأنه بعيد يتهم به مدعيه: وقيل يجعل عفوا. قال في المصفى: هو الصحيح والقياس. ما قاله زفر نهر (قوله في الصحيح) ظاهره أنه تصحيح لقول الإمام في شموله العمد والخطأ، وهذا لم يذكره في النهر، وإنما الذي فيه تصحيح القول بجعل الخطإ عفوا على التفسير الثاني من تفسيري الخطأ كما سمعت من عبارة النهر، نعم ظاهر الرواية وغيرها اعتماد قول الإمام وهو ظاهر إطلاق المتون فافهم (قوله إذا أمر بخلافه) أي بأن أمره الحاكم بقطع اليمين فقطع اليسرى، أما لو أطلق وقال اقطع يده ولم يعين اليمنى فلا ضمان على القاطع اتفاقا لعدم المخالفة، إذ اليد تطلق عليهما؛ وكذا لو أخرج السارق يده فقال هذه يميني؛ لأنه قطعه بأمره بحر. [تنبيه] لم يبين المصنف أن هذا القطع وقع حدا أم لا، قيل نعم فلا ضمان على السارق لو استهلك العين، وقيل لا فيضمن في العمد والخطإ كما في البحر والنهر (قوله؛ لأنه أتلف وأخلف إلخ) أي فلا يعد إتلافا، كمن شهد على غيره يبيع ماله بمثل قيمته ثم رجع هداية، إنما قلنا إنه أخلف؛ لأن اليمنى كانت على شرف الزوال فكانت كالفائتة فأخلفها إلى خلف استمرارها، بخلاف ما لو قطع رجله اليمنى أي حيث يضمن؛ لأنه وإن امتنع به قطع يده لكن لم يعوضه من جنس ما أتلف عليه من المنفعة؛ لأن منفعة البطش ليست من جنس منفعة المشي، وأما إن قطع رجله اليسرى فلأنه لم يعوض عليه شيئا فتح (قوله وكذا لو قطعه غير الحداد) أي بعد أمر القاضي الحداد، أما إذا صدر ذلك قبل الأمر أصلا فهو ما ذكره بعد ط. والحاصل أن القاضي إذا أمر الحداد بقطعه فقطع اليسرى الحداد أو غيره لا يضمن (قوله في الأصح) قال في الفتح: احتراز عما ذكر الإسبيجابي في شرحه لمختصر الطحاوي حيث قال هذا كله إذ قطع الحداد بأمر السلطان. ولو قطع يساره غيره، ففي العمد القصاص، وفي الخطإ الدية (قوله ولو قطعه أحد إلخ) قال في شرح الطحاوي: من وجب عليه القطع في السرقة فلم يقطع حتى قطع قاطع يمينه، فهذا لا يخلو إما أن يكون قبل الخصومة أو بعدها قبل القضاء أو بعده، فإن كان قبل الخصومة فعلى قاطعه القصاص في العمد والأرش في الخطإ، وتقطع رجله اليسرى في السرقة وإن كان بعد الخصومة قبل القضاء فكذلك الجواب إلا أنه لا تقطع رجله في السرقة؛ لأنه لما خوصم كان الواجب في اليمنى وقد فاتت فسقط، وإن كان بعد القضاء فلا ضمان على القاطع وكان قطعه من السرقة حتى لا يجب الضمان على السارق فيما استهلك من مال السرقة أو سرق في يده ا هـ. ط عن حاشية الشلبي على الزيلعي، قال: فقول المصنف وسقط القطع إلخ تبع فيه شيخه في بحره، وقد علمت ما فيه إلا أن يحمل على ما إذا كان القطع بعد الخصومة (قوله قصاصا) احترز به عن القطع للسرقة فإنه لا يقطع ثانيا لاتحاد الجنس ط أي فيقع هذا القطع عن السرقتين السابقتين بخلاف ما إذا سرق بعد القطع كما مر (قوله قطعت رجله اليسرى)؛ لأنها المحل وقت القطع ا هـ. ح (قوله لا القطع على الظاهر) قال في البحر: وأشار الشمني إلى أنه لا بد من الطلبين لكن في الكشف الكبير أن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلوص ولذا لا يملك المسروق منه الخصومة بدعوى الحد وإثباته، ولا يملك العفو بعد الوجوب ولا يورث عنه ا هـ. فقد صرح بأنه لا يملك طلب القطع إلا أن يقال إنه لا يملكه مجردا عن طلب المال. والظاهر أن الشرط إنما هو طلب المال وتشترط حضرته عند القطع لا طلبه القطع إذ هو حقه تعالى فلا يتوقف على طلب العبد. ا هـ. وفي النهر: والظاهر ما جرى عليه الشارح الزيلعي وغيره من الاكتفاء بدعوى المال (قوله على المذهب) وروي عن أبي يوسف أنه في الإقرار لا تشترط المطالبة كما في الفتح (قوله؛ لأن الخصومة إلخ) أفاد أن حد السرقة لا يثبت بدعوى الحسبة تأمل (قوله قلت لكنه مخالف لما قدمه) أي في الباب السابق في قوله وشرط للقطع حضور شاهديها وقته (قوله بما يفيد ترجيح الأول) أي ما تقدم من اشتراط الحضور، وفيه نظر، بل مفاده ترجيح ما هنا، فإن الذي حرره هو ما نقله عن كافي الحاكم من أن ما هنا هو قول الإمام الأخير فيكون الأول مرجوعا عنه، ولذا صحح ما هنا في شرح المنظومة الوهبانية كما حررناه فيما تقدم فافهم (قوله وكل من له يد صحيحة ملك الخصومة) شمل المالك والأمين والضامن كالغاصب فإنه يجب عليه حفظ المغصوب كالأمين فيملك الخصومة؛ لأنه لا يقدر على إسقاط الضمان عن نفسه إلا بذلك كما أفاده في الفتح، وشمل ما إذا كان المالك حاضرا أو غائبا كما في النهر عن السراج (قوله ثم فرع عليه) الأولى ثم مثل له ط. (قوله متول) أي متولي الوقف كما في الزيلعي والفتح، وعبر في البحر، بمتولي المسجد، وهذا يرد ما بحثه في البحر في الباب السابق من أنه لا قطع بسرقة مال الوقف، وقدمنا الكلام فيه هناك (قوله وقابض على سوم الشراء)؛ لأنه إن سمى الثمن كان مضمونا عليه وإلا كان أمانة بمنزلة المودع، وعلى كل فيده صحيحة، ومثل من ذكر كما في الفتح وغيره المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع (قوله بأن باع درهما بدرهمين) الأحسن قول النهر باع عشرة بعشرين وقبضها فسرقت ا هـ. لتحقيق النصاب الموجب للقطع. ا هـ. ح (قوله؛ لأن الشراء فاسدا) أي الذي منه الربا بمنزلة المغصوب في أن كلا منهما مضمون على ذي اليد بالقيمة (قوله بخلاف معطي الربا) مخالف لقوله ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم (قوله؛ لأنه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد) فيه نظر، لما في الأشباه من أن الربا لا يملك فيجب عليه رد عينه مادام قائما، حتى لو أبرأه صاحبه لا يبرأ منه؛ لأن رد عينه القائمة حق الشرع. ا هـ. وبه علم أن صاحب الربا في عبارة المصنف وهو الذي قبضه لم يملكه بل بقي على ملك المعطي فصار المعطي مالكا والقابض ذا يد فتصح مطالبة كل منهما بمنزلة المغصوب كما هو صريح عبارة المصنف الآتية تبعا للكنز ولصاحب النهر هنا كلام غير محرر فراجعه وتدبر (قوله ولا قطع بسرقة اللقطة) هذا لم يصرح به في الخانية، وإنما يفهم منها كما بحثه في البحر. وعبارة الخانية: رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في يد غيره فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل، بخلاف الوديعة فإن في الوديعة يكون للمودع أن يأخذها من الثاني؛ لأن لقطة الثاني كالأول في ولاية أخذ اللقطة، وليس الثاني كالأول في إثبات اليد على الوديعة ا هـ.: قال في البحر: فينبغي أن لا يقطع بطلب الملتقط كما لا يخفى ا هـ. وتبعه أخوه في النهر، وكذا المقدسي. واعترضه السيد أبو السعود بأن نفي الخصومة بين الملتقط الأول والثاني لا يدل على أنه لا خصومة بين الملتقط والسارق منه ا هـ. قلت: أي؛ لأن الملتقط يده يد أمانة حتى لا يتمكن أحد من أخذها منه، ولو دفعها لآخر له أن يستردها منه؛ ولو ذكر أحد علامتها ولم يصدقه الملتقط أنها له لا يجبر على دفعها إليه، فلو لم تكن له يد صحيحة لم يكن له شيء من ذلك، وهذا يدل على أن له مخاصمة السارق منه، بخلاف ما إذا ضاعت منه فالتقطها غيره فإن يد الأول زالت بإثبات يد مثل يده عليها؛ لأن الثاني له ولاية أخذها فليس للأول بعد زوال يده مخاصمة الثاني. وأما الوديعة إذا ضاعت من المودع فإن له مخاصمة ملتقطها إذ ليس له إثبات يد عليها كالمودع، ولعل وجه الفرق بين المودع والملتقط الأول مع أن كلا منهما يده يد أمانة أن يد المودع أقوى؛ لأنها بإذن المالك فكانت يده يد المالك، بخلاف يد الملتقط، والله تعالى أعلم. (قوله سرق منه) بالبناء للمجهول والجملة صفة لسارق، وقوله بعد القطع: أي قطع السارق الأول، وقوله لم يقطع: أي السارق الثاني وقوله؛ لأن يده: أي يد السارق الأول (قوله كما يأتي آنفا) أي قريبا وهو بكسر النون، ويجوز في أوله المد والقصر، وقرئ بهما كما في القاموس (قوله ويقطع بطلب المالك) شمل ما إذا حضر المسروق منه أو لم يحضر. وعن محمد أنه لا بد من حضوره وظاهر الرواية الأول كما في النهر والزيلعي (قوله أي من الثلاثة) هم المودع والغاصب وصاحب الربا زيلعي وغيره ولا يخفى أن المراد بالمالك في مسألة الربا هو المعطي؛ لأنه باق على ملكه، فهذا صريح في أنه يقطع السارق بطلبه خلافا لما قدمه عن الشمني، ومثل الثلاثة غيرهم ممن مر كما في الفتح وغيره (قوله وكذا بطلب الراهن) أي إذا كانت العين قائمة وقد قضى الدين، أما إذا لم يقضه أو استهلك السارق العين فلا قطع بخصومته؛ لأنه قبل الإيفاء لا حق له في المطالبة بالعين، وبالاستهلاك صار المرتهن مستوفيا لدينه. قال الزيلعي: وينبغي أن يقطع بخصومته فيما إذا زادت قيمة الرهن على دينه بما يبلغ نصابا؛ لأن له المطالبة بما زاد كالوديعة، وارتضاه في الفتح، وهو المذكور في غاية البيان نهر أي أن له مطالبة السارق بعد الهلاك بما زاد كما عبر به الزيلعي، فليس المراد أن له مطالبة المرتهن، إذ ليس له ذلك (قوله لا بطلب المالك إلخ) أي لا يقطع السارق الثاني بطلب إلخ (قوله لو سرق) قيد لطلب المالك ولطلب السارق (قوله بعد القطع) أي قطع الأول (قوله لسقوط عصمته) أي المال؛ لأنه لا ضمان على السارق بعدما قطعت يمينه كما يذكره المصنف. قال في الفتح: وقال مالك والشافعي في قول يقطع بخصومة المالك؛ لأنه سرق نصابا من حرز لا شبهة فيه. ولنا أن المال لما لم يجب على السارق ضمانه كان ساقط التقوم في حقه، وكذا في حق المالك لعدم وجوب الضمان له، فيد السارق الأول ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك فكان المسروق مالا غير معصوم فلا قطع فيه. ا هـ. (قوله أو بعدما درئ بشبهة) كدعواه أنه ملكه ونحو ذلك كما يأتي. واعترض بأن هذا يغني عنه قوله قبل القطع، وفيه أن المتبادر من قوله قبل القطع كون القطع لازما له وهذا ساقط عنه بشبهة، نعم يعلم حكم الساقط بالأولى، لكنه تابع الهداية لزيادة الإيضاح فافهم (قوله فإن له) أي للسارق الأول (قوله؛ لأن سقوط التقوم ضرورة القطع إلخ) كذا في الهداية، وهو برفع ضرورة على أنه خبر أن أو بنصبه على أنه مفعول لأجله والخبر محذوف أي ثابت لضرورة القطع: أي أنه أمر ضروري للقطع: أي أنه يلزم من وجوب القطع سقوط التقوم لا ينفك عن القطع ولا يوجد بدونه؛ لأن عدم سقوطه ينافي وجوب القطع كما يأتي بيانه، هذا ما ظهر لي، وفي هذا التعليل إشارة إلى الرد على ما قاله الكرخي والطحاوي من إطلاق عدم القطع سواء قطع الأول أو لا كما قدمناه أول كتاب السرقة. قلت: ومفهوم هذا التعليل أن المراد بقوله قبل القطع ما إذا لم يقطع الأول أصلا، ويدل عليه ما يأتي من أنه لا فرق في عدم الضمان بين هلاك العين واستهلاكها قبل القطع أو بعده، فإذا لم تكن مضمونة بالاستهلاك قبل القطع، يعني ثم قطع تحقق سقوط التقوم. فعلم أن التقوم لا يسقط إلا إذا لم يوجد قطع أصلا تأمل (قوله فصار كالغاصب) أي في أن له يدا صحيحة هي يد الضمان (قوله ثم بعد القطع إلخ) أي قطع السارق الأول والأولى ذكر هذا قبل قوله بخلاف ما إذا سرق إلخ (قوله روايتان) إحداهما له استرداد المسروق من السارق الثاني لحاجته إلى الرد الواجب عليه، والأخرى لا؛ لأن يده ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك فتح (قوله، واختار الكمال إلخ) أي اختار أن القاضي يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا وإلا حفظه له كما يحفظ أموال الغيب، ولا يرده إلى الأول ولا يبقيه مع الثاني لظهور خيانة كل منهما (قوله ورده قبل الخصومة) أي الدعوى والشهادة المترتبة عليها أو الإقرار، وقيد بالرد قبل الخصومة؛ لأنه لو رده بعدها سواء قضي بالقطع أو لا فإنه يقطع نهر (قوله ولو حكما كأصوله ولو في غير عياله) أي كوالده وجده ووالدته وجدته؛ لأن لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله؛ لأنه شبهة الشبهة وهي غير معتبرة ومن الرد الحكمي الرد إلى فرعه وكل ذي رحم محرم منه إن كانوا في عياله والرد إلى مكاتبه وعبده بحر، وكذا إلى زوجته وأجيره مشاهرة، وهو الذي يسمى غلامه أو مسانهة فتح، وتمامه فيه (قوله أو ملكه بعد القضاء بالقطع)؛ لأن الإمضاء من القضاء في الحدود أي فالملك الحادث في هذه الحالة كالملك الحادث قبل القضاء؛ لأن القاضي لما لم يمض صار كأنه لم يقض فلا يستوفى القطع كما قبل القضاء، وهذا؛ لأن القاضي لا يخرج عن عهدة القضاء في باب الحدود بمجرد قوله قضيت بل بالاستيفاء جلدا أو رجما أو قطعا فلا جرم كان الإمضاء من القضاء، بخلاف حقوق العباد فإنه ثمة بمجرد قوله قضيت يخرج عن عهدة القضاء، وأن السارق لو قطع بعد الملك قطع في ملك نفسه. ا هـ. ط عن الشلبي (قوله ولو بهبة مع قبض) هكذا وقع التقييد بالقبض في الهداية. ولقائل أن يقول: لا يشترط القبض؛ لأن الهبة تقطع الخصومة؛ لأنه ما كان يهب ليخاصم فليتأمل شرنبلالية. قلت: وهو بحث مخالف للمنقول مع أنه غير معقول فهو غير مقبول، وذلك أن الخصومة قد وجدت؛ لأن الكلام فيما بعد القضاء بالقطع، لكنهم عدوا ملك المسروق بعد القضاء شبهة والهبة بدون قبض لا تفيد الملك فلم توجد الشبهة ولم يقل أحد باشتراط خصومة أخرى بعد القضاء بالقطع بل طلبه القطع غير شرط على الظاهر كما مر، نعم يشترط حضوره عند القطع كما تقدم فافهم (قوله أو ادعى أنه ملكه) أي بعدما ثبتت السرقة عليه بالبينة أو بالإقرار بحر (قوله للشبهة) هي احتمال صدقه ولذا صح رجوعه بعد الإقرار (قوله أو نقصت قيمته) أي بعد القضاء؛ لأن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا (قوله بنقصان السعر) أي لا بنقصان العين؛ لأن العين لو نقصت فإنه يقطع؛ لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا كما إذا استهلكه كله، أما نقصان السعر فغير مضمون فافترقا بحر، والمراد بنقصان العين فوات بعضها أو حدوث عيب فيها كما قدمناه أول كتاب السرقة (قوله في بلد الخصومة) أي وإن كان في البلد التي سرق فيها لم ينقص لما قدمه أول السرقة من أن المعتبر القيمة وقت السرقة ووقت القطع ومكانه. (قوله أقرا بسرقة نصاب) أي أقر اثنان أنهما سرقا نصابا أي جنسه، إذ لا بد أن يصيب كلا منهما نصاب كما قدمه المصنف (قوله لم يقطعا) أي المدعي والآخر؛ لأنها سرقة واحدة فلا تكون موجبة للقطع وغير موجبة (قوله قطع المقر) أي وحده؛ لأن إقراره على غيره لم يصح بتكذيبه فلم توجد الشركة في السرقة (قوله؛ لأن شبهة الشبهة لا تعتبر) قال الزيلعي: وكان أبو حنيفة أولا يقول لا يجب عليه القطع؛ لأن الغائب ربما يدعي الشبهة عند حضوره ثم رجع وقال يقطع؛ لأن سرقة الحاضر تثبت بالحجة فلا يعتبر الموهوم؛ لأنه لو حضر وادعى كان شبهة واحتمال الدعوى شبهة الشبهة فلا تعتبر. ا هـ. ح (قوله ولو أقر عبد مكلف إلخ) أما لو كان صغيرا لم يقطع ويرد المال لو قائما وكان مأذونا، وإن هالكا يضمن وإن كان محجورا وصدقه المولى يرد المال إلى المسروق منه لو قائما، ولو هالكا فلا ضمان ولا بعد العتق بحر (قوله قطع)؛ لأن إقرار العبد على نفسه وبالحدود والقصاص صحيح من حيث إنه آدمي؛ لأنه لا تهمة فيه، وإذا صح بالقطع صح بالمال بناء عليه، ولا فرق بين كون العبد مأذونا أو لا، صدقه المولى أو لا، وتمامه في البحر (قوله لو قائمة) فلو مستهلكة فلا ضمان ويقطع اتفاقا بحر (قوله كما لو قامت عليه بينة بذلك) أي فإنه يقطع بالطريق الأولى ويرد المال إلى المسروق منه بحر (قوله ولا غرم على السارق) التعبير بالغرم يفيد أن المسروق غير باق فلو قائما يؤمر بالرد؛ فقول المصنف بعد ويرد العين تصريح بمفهوم قوله ولا غرم ط (قوله وغيرها) كالهداية (قوله ورواه الكمال «بعد قطع يمينه») عزاه إلى الدارقطني، لكن عزاه العلامة نوح إلى الدارقطني أيضا بلفظ المتن والمعنى واحد فإن ما مصدرية، وأعل الحديث بالإرسال وبجهالة بعض رواته، وجوابه مبسوط في الفتح وحاشية نوح على الدرر، واستدلوا بعد الحديث بالمعقول أيضا. قال في الفتح: ولأن وجوب الضمان ينافي القطع؛ لأنه يتملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الأخذ، فتبين أنه أخذ ملكه فلا يقطع في ملكه لكن القطع ثابت قطعا، فما يؤدي إلى انتفائه وهو الضمان فهو المنتفي (قوله لبقائها على ملك مالكها) ولذا قال في الإيضاح قال أبو حنيفة: لا يحل للسارق الانتفاع بها بوجه من الوجوه، وكذا لو خاطها قميصا لا يحل له الانتفاع به؛ لأنه ملكه بوجه محظور، وقد تعذر إيجاب القضاء به فلا يحل الانتفاع، كمن دخل دار الحرب بأمان وأخذ شيئا من أموالهم لم يلزمه الرد قضاء ويلزمه ديانة، وكالباغي إذا أتلف مال العادل ثم تاب فتح (قوله في الظاهر من الرواية) وفي رواية الحسن: لا يظهر سقوط العصمة في حق الاستهلاك (قوله لكنه يفتى إلخ) قال في الفتح: وفي المبسوط: روى هشام عن محمد أنه إنما يسقط الضمان عن السارق قضاء لتعذر الحكم بالمماثلة، فأما ديانة فيفتى بالضمان للحقوق والخسران والنقصان للمالك من جهة السارق (قوله قبل القطع) يعني ثم قطع؛ لأن انتفاء الضمان إنما هو بسبب القطع كما علمت، وقدم الشارح أيضا أن سقوط التقوم ضرورة القطع (قوله أو بعده) لكن يفرق بينهما بما في الكافي لو كان قبل القطع، فإن قال المالك أنا أضمنه لم يقطع عندنا، وإن قال أنا أختار القطع يقطع ولا يضمن. ا هـ. قال في البحر؛ لأنه في الأولى تضمن رجوعه عن دعوى السرقة إلى دعوى المال (قوله فللمالك تضمينه) أي تضمين المشتري أو الموهوب له ثم يرجع المشتري على السارق بالثمن لا بالقيمة تتارخانية عن المحيط وفيها عن شرح الطحاوي: لو قطع ثم استهلكه غيره كان للمسروق منه أن يضمنه قيمته ا هـ. ومثله في النهر عن السراج. وظاهره أن غير المشتري والموهوب له مثلهما، لكن ذكر في التتارخانية أيضا: لو أودعه عند غيره فهلك الأصل فيه أن كل موضع لو ضمنه المالك له أن يرجع على السارق فليس له أن يضمنه، وفي كل موضع لو ضمنه لا يرجع على السارق فله أن يضمنه والذي يرجع عليه المودع والمستأجر والمرتهن. ا هـ. قلت: ووجهه ظاهر؛ لأن ما يثبت فيه الرجوع على السارق يلزم منه أن يكون مضمونا على السارق بعد القطع مع أنه غير مضمون عليه بخلاف ما لا رجوع فيه عليه لكن هذا التفصيل ظاهر في الهلاك ولذا فرض المسألة فيما لو أودعه فهلك، بخلاف الاستهلاك فإن المستهلك متعد فلا رجوع له على السارق أصلا بلا فرق بين كونه مشتريا أو مودعا أو مستأجرا، نعم للمشتري الرجوع بالثمن على السارق؛ لأنه لما استهلكه وضمن قيمته ملكه من وقت الاستهلاك فيرجع على السارق بما دفعه إليه من الثمن لا بالقيمة لظهور أن ما دفعه إليه لا يملك قبضه فيرجع به لا بما ضمن، فاغتنم تحرير هذا المحل فإنه من فيض المولى عز وجل. (قوله ولو قطع إلخ) أي لو سرق سرقات فقطع في أحدها بخصومة صاحبها وحده فهو: أي ذلك القطع بجميعها ولا يضمن شيئا لأرباب تلك السرقات عنده، وقالا: يضمن كلها إلا التي قطع فيها، فإن حضروا جميعا وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئا من السرقات بالاتفاق فتح (قوله ثم أخرجه) فلو شقه بعد الإخراج قطع اتفاقا نهر، وهو مفهوم بالأولى (قوله قطع) أي عندهما خلافا لأبي يوسف ومحل الخلاف ما إذا شقه فاحشا وهو ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة على الأصح، واختار المالك تضمين النقصان وأخذ الثوب قطع عندهما خلافا له. أما إذا اختار تضمين القيمة وترك الثوب فلا قطع اتفاقا، أما اليسير وهو ما يتعيب به فقط فيقطع فيه اتفاقا نهر (قوله فله تضمين القيمة) أي من غير خيار بحر: أي ليس له تضمين النقصان والقطع (قوله فيملكه) أي السارق، فصار كما إذا ملكه إياه لهبة بعد القضاء لا يقطع على ما تقدم فتح (قوله وهل يضمن إلخ) أي فيما إذا شقه نصفين ولم يكن إتلافا ح (قوله صحح الخبازي لا) أي لا يضمن كي لا يجتمع القطع مع الضمان (قوله وقال الكمال الحق نعم) حيث قال: والحق ما ذكر في عامة الكتب الأمهات أنه يقطع ويضمن النقصان إلى أن قال ووجوب ضمان النقصان لا يمنع القطع؛ لأن ضمان النقصان وجب بإتلاف ما فات قبل الإخراج والقطع بإخراج الباقي فلا يمنع، كما لو أخذ ثوبين وأحرق أحدهما في البيت، وأخرج الآخر وقيمته نصاب (قوله ومتى اختار تضمين القيمة) أي فيما إذا كان الشق فاحشا، إذ لو كان يسيرا يقطع بالاتفاق كما قدمناه قال في الهداية إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة (قوله لما مر) أي قريبا من أنه يملكه مستندا إلى وقت الأخذ (قوله فذبحها فأخرجها) قيد بالإخراج بعد الذبح؛ لأنه لو أخرجها حية وقيمتها عشرة ثم ذبحها يقطع وإن انتقصت قيمتها بالذبح ط عن الحموي (قوله من الحجرين) أي الذهب والفضة (قوله دراهم) مفعول فعل (قوله لتقوم الصنعة عندهما خلافا له) وأصل الخلاف في الغاصب هل يملك الدراهم والدنانير بهذه الصنعة أم لا بناء على أنها متقومة أم لا، ثم وجوب القطع عنده لا يشكل؛ لأنه لم يملكها على قوله. وأما على قولهما فقيل لا يجب القطع؛ لأنه ملكها قبله، وقيل يجب؛ لأنه صار بالصنعة شيئا آخر فلم يملك عينه، وعلى هذا الخلاف إذا اتخذه حليا أو آنية زيلعي (قوله فهي للسارق اتفاقا)؛ لأن هذه الصنعة بدلت العين والاسم بدليل أنه تغير بها حكم الربا حيث خرجت عن كونها موزونة، بخلاف مسألة الذهب والفضة لبقاء الاسم مع بقاء العين كما كانت حكما، حتى لا يصح بيع آنية فضة وزنها عشرة بأحد عشر كذا يفاد من الفتح (قوله فقطع) إنما قطع باعتبار سرقة الثوب الأبيض وهو لم يملكه أبيض بوجه ما والمملوك للسارق إنما هو المصبوغ، وكذا يقطع بالحنطة وإن ملك الدقيق بحر (قوله لا رد) أي حال قيامه ولا ضمان: أي حال استهلاكه، وهذا عندهما. وقال محمد: يرد الثوب ويأخذ ما زاد الصبغ؛ لأن عين ماله قائم من كل وجه. ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى بدليل أن المسروق منه لو أخذ الثوب يضمن الصبغ وحق المالك قائم صورة لا معنى بدليل أنه غير مضمون على السارق نهر (قوله خلافا لما في الاختيار) أي من أنه لو صبغه بعد القطع يرده، وهو مخالف لقول الهداية: فإن سرق ثوبا فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه، ولقول محمد سرق الثوب فقطع يده وقد صبغ الثوب أحمر لم يؤخذ منه، فإنه دليل على أنه لا فرق بين أن يصبغه قبل القطع أو بعده زيلعي وتبعه في البحر والنهر. قلت: لكن قول محمد وقد صبغه جملة حالية فمن أين يفيد كون الصبغ بعد القطع. ثم رأيت سعد حلبي اعترض الزيلعي بأن عبارة الهداية ليست كما نقله ا هـ. قلت: لأن عبارة الهداية هكذا: فإن سرق ثوبا فصبغه أحمر ثم قطع إلخ فعبارة الهداية مساوية لعبارة المصنف والكنز. وقد ذكر الزيلعي أن ما في الكنز ذكر مثله في المحيط والكافي، ولا يخفى أن هذه العبارة تؤيد ما في الاختيار ولم يبق لدعوى الزيلعي دليل، فالاعتماد على ما قالوه لا على ما قاله فتنبه (قوله خلافا للثاني)؛ لأن السواد زيادة عنده كالحمرة. وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة ولكنه لا يقطع حق المالك. وعند أبي حنيفة السواد نقصان ولا يوجب انقطاع حق المالك هداية (قوله وهو اختلاف زمان إلخ) فإن الناس كانوا لا يلبسون السواد في زمنه ويلبسونه في زمنهما فتح (قوله سرق في ولاية سلطان إلخ) ذكره مع تعليله في الدرر. وقال في الشرنبلالية: ذكره في الفيض. وفي مختصر الظهيرية معزوا إلى الإمام الأجل الشهيد (قوله إذ لا ولاية له إلخ) أي في وقت السرقة، إذ لا شك أنهما في وقت الدعوى تحت يده، وهل كذلك بقية الحدود والقصاص أيضا؟ لم أره، والله سبحانه وتعالى أعلم. أي قطع المارة عن الطريق فهو من الحذف والإيصال، أو المراد بالطريق المارة من إطلاق المحل على الحال أو الإضافة على معنى في: أي قطع في الطريق: أي منع الناس المرور فيه، أخره عن السرقة لأنه ليس سرقة مطلقة؛ لأن المتبادر منها الأخذ خفية عن الناس، وأطلق عليه اسمها مجازا لضرب من الإخفاء وهو الإخفاء عن الإمام ومن نصبهم لحفظ الطريق، ولذا لا يطلق عليه اسمها إلا مقيدة بالكبرى ولزوم التقييد من علامات المجاز كما في الفتح، وسميت كبرى لعظم ضررها لكونه على عامة المسلمين أو لعظم جزائها (قوله من قصده) أي قصد قطع الطريق، وعبر بمن ليفيد أنه لا يشترط كون القاطع جماعة، فيشمل ما إذا كان واحدا له منعة بقوته ونجدته كما في القهستاني والفتح، وشمل العبد وكذا المرأة في ظاهر الرواية إلا أنها لا تصلب كما سيأتي (قوله ولو في المصر ليلا) أي بسلاح أو بدونه وكذا نهارا لو بسلاح كما سيأتي، وهذا هو رواية عن أبي يوسف أفتى بها المشايخ دفعا لشر المتغلبة المفسدين كما في القهستاني عن الاختيار وغيره، ومثله في البحر. أما ظاهر الرواية فلا بد أن يكون في صحراء دارنا على مسافة السفر فصاعدا دون القرى والأمصار ولا ما بينهما كما في القهستاني. وفي كافي الحاكم: وإن قطعوا الطريق في دار الحرب على تجار مستأمنين أو في دار الإسلام في موضع غلب عسكر الخوارج ثم أتى بهم الإمام لم يمض الحدود عليهم (قوله وهو معصوم) أي بالعصمة المؤبدة وهو المسلم أو الذمي قهستاني. والعصمة: الحفظ، والمراد عصمة دمه وماله بالإسلام أو عقد الذمة. وفي حاشية السيد أبو السعود: مفاده لو قطع الطريق مستأمن لا يحد، وبه صرح في شرح النقاية معللا بأنه لا يخاطب بالشرائع. وحكى في المحيط اختلاف المشايخ فيه (قوله فلو على المستأمنين فلا حد) لكن يلزمه التعزير والحبس باعتبار إخافة الطريق وإخفاره ذمة المسلمين فتح. قال في الشرنبلالية: ويضمن المال لثبوت عصمة مال المستأمن حالا وإن لم يكن على التأبيد، ومحل عدم الحد بالقطع على المستأمن فيما إذا كان منفردا، أما إذا كان مع القافلة فإنه يحد ولا يصير شبهة، بخلاف اختلاط ذي الرحم بالقافلة كما في الفتح. ا هـ. قلت: لكن لو لم يقع القتل والأخذ إلا في المستأمن فلا حد كما في الفتح أيضا. [تنبيه] قد علم من شروط قطع الطريق كونه ممن له قوة ومنعة، وكونه في دار العدل، ولو في المصر ولو نهارا إن كان بسلاح، وكون كل من القاطع والمقطوع عليه معصوما، ومنها كما يعلم مما يأتي كون القطاع كلهم أجانب لأصحاب الأموال، وكونهم عقلاء بالغين ناطقين، وأن يصيب كلا منهم نصاب تام من المال المأخوذ، وأن يؤخذوا قبل التوبة. ثم اعلم أن القطع يثبت بالإقرار مرة واحدة. وعند أبي يوسف بمرتين ويسقط الحد برجوعه لكن يؤخذ بالمال إن أقر به يثبت بشهادة اثنين بمعاينته أو بالإقرار به، فلو لأحدهما بالمعاينة والآخر بالإقرار لا تقبل؛ ولو قالا قطعوا علينا وعلى أصحابنا لا تقبل؛ لأنهما شهدا لأنفسهما ولو شهدا أنهم قطعوا على رجل من عرض الناس وله ولي يعرف أو لا يعرف لا يحدهم إلا بمحضر من الخصم وتمامه في الفتح آخر الباب (قوله حبس) وما في الخانية من أنه يعزر ويخلى سبيله خلاف المشهور فتح، وأفاد أيضا أن الحبس في بلده لا في غيرها خلافا لمالك (قوله وهو المراد بالنفي في الآية)؛ لأن النفي من جميع الأرض محال وإلى بلد أخرى فيه إيذاء أهلها فلم يبق إلا الحبس، والمحبوس يسمى منفيا من الأرض؛ لأنه لا ينتفع بطيبات الدنيا ولذاتها، ولا يجتمع بأقاربه وأحبابه. قال في الفتح قال صالح بن عبد القدوس فيما ذكره الشريف في الغرر: خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى إذا جاءنا السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا (قوله وظاهر أن المراد إلخ) أي وليس المراد ما قاله بعض السلف أن الإمام مخير في هذه الأجزية الأربعة إذ من المقطوع به أنها أجزية على جناية القطع المتفاوتة خفة وغلظا، ولا يجوز أن يرتب على أغلظها أخف الأجزية المذكورة، وعلى أخفها أغلظ الأجزية؛ لأنه مما يدفعه قواعد الشرع والعقل، فوجب القول بالتوزيع على أحوال الجنايات؛ لأنها مقابلة بها فاقتضت الانقسام. فتقدير الآية أن يقتلوا إن قتلوا، أو يصلبوا إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال أو ينفوا إن أخافوا، وتمامه في الفتح والزيلعي (قوله بعد التعزير) أي بالضرب، وإلا فالحبس تعزير أيضا كما مر في بابه (قوله أو يموت) عطف على يتوب. (قوله وإن أخذ) أي القاطع أي جنسه السابق بالواحد والأكثر (قوله وأصاب منه كلا نصاب) أي أصاب كل واحد منهم نصاب السرقة الصغرى (قوله إن كان صحيح الأطراف) حتى لو كانت يسراه شلاء لم تقطع يمينه، وكذا لو كانت رجله اليسرى ولو كان مقطوع اليمنى لم تقطع له يد وكذا الرجل اليسرى نهر، ومفهومه أنه لو كانت يده اليمنى شلاء أو رجله اليسرى أو كلاهما قطع كما سبق في السرقة الصغرى من أن استيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز فالمراد بقوله إن كان صحيح الأطراف غير المستحقة للقطع أو الجمع لما فوق الواحد أو يراد بالصحيح ما يقابل المقطوع دون الأشل أفاده السيد أبو السعود (قوله لئلا يفوت نفعه) علة لقوله من خلاف ط (قوله فلذا لا يعفوه ولي) أي لكونه حدا خالص حق لله تعالى لا يسع فيه عفو غيره فمن عفا عنه عصى الله تعالى فتح. قال وفي فتاوى قاضي خان: وإن قتل ولم يأخذ المال يقتل قصاصا وهذا يخالف ما ذكرناه إلا أن يكون معناه إذا أمكنه أخذ المال فلم يأخذ شيئا ومال إلى القتل فإنا سنذكر في نظيرها أنه يقتل قصاصا خلافا لعيسى بن أبان ا هـ. والمراد بما سيذكره ما يأتي أنه من الغرائب. قلت: لكن ما أول به عبارة الخانية بعيد والأقرب تأويلها بأن المراد بقوله ولم يأخذ المال أي النصاب بل أخذ ما دونه، وتصير المسألة حينئذ عين المسألة الآتي أنها من الغرائب (قوله ولا يشترط إلخ) أي فيقتل القاتل والمعين سواء قتل بسيف أو حجر أو عصا كما يأتي (قوله وبهذا الحل) هو قوله بمخالفة أمره ح (قوله عن تقدير مضاف) أي في قوله تعالى: {يحاربون الله} وتقدير المضاف أولياء الله. ا هـ. ح. قلت: والأحسن عباد الله ليشمل الذمي كما نبه عليه في الفتح. والحاصل أنه لما كان المخالفة والعصيان سببا للمحاربة أطلقت المحاربة عليها من إطلاق المسبب على السبب (قوله خير الإمام بين ستة أحوال) ترك السابع من الأقسام العقلية وهو ما إذا اقتصر على القطع؛ لأنه لا يجوز. ا هـ. ح. أقول: الأقسام العقلية عشرة:؛ لأنه إما أن يقتصر على القطع، أو القتل أو الصلب، أو يفعل الثلاثة، فهذه أربعة، أو يفعل اثنين منها القطع ثم القتل، أو عكسه والقطع، ثم الصلب أو عكسه، والقتل ثم الصلب أو عكسه، فهذه ستة مع الأربعة بعشرة لكن القطع بعد القتل غير مفيد كالزاني إذا مات في أثناء الجلد كما في الزيلعي ومثله القطع بعد الصلب (قوله إن شاء قطع من خلاف ثم قتل) أي بلا صلب خلافا لمحمد أنه لا يقطع ولما عن أبي يوسف أنه لا يترك الصلب (قوله ويصلب حيا) أي فيما إذا اختار الإمام صلبه أو فيما إذا قلنا بلزومه على قول أبي يوسف كذا في الفتح، أما فيما إذا اختار الجمع بين القتل والصلب، فلا بد أن يكون القتل سابقا، وإلا لم يبق فرق بين الجمع والاقتصار على الصلب (قوله في الأصح) وعن الطحاوي أنه يقتل ثم يصلب توقيا عن المثلة ويأتي جوابه قريبا (قوله وكيفيته في الجوهرة) وهي أن تغرز خشبة في الأرض ثم يربط عليها خشبة أخرى عرضا فيضع قدميه عليها ويربط من أعلاها خشبة أخرى ويربط عليها يديه (قوله ويبعج بطنه برمح) كذا في الهداية وغيرها. وفي الجوهرة: ثم يطعن بالرمح ثديه الأيسر ويخضخض بطنه إلى أن يموت، وفي الاختيار تحت ثديه الأيسر، ولا يرد أن في الصلب مثلة وهي منسوخة منهي عنها؛ لأن الطعن بالرمح معتاد، فلا مثلة فيه، ولو سلم فالصلب مقطوع بشرعيته، فتكون هذه المثلة الخاصة مستثناة من المنسوخ قطعا أفاده في الفتح. وفيه أيضا ولا يصلى على قاطع الطريق كما علم من باب الشهيد. (قوله على الظاهر) أي ظاهر الرواية لئلا يتأذى الناس برائحته (قوله من أخذ مال) أي إن كان هالكا كما يفيده قوله لا يضمن، وذلك لسقوط عصمته بالقطع كما مر في السرقة الصغرى، أما لو كان المال باقيا يرده إلى مالكه كما في الملتقى (قوله وتجري الأحكام المذكورة) من حبس وتعزير أو قطع فقط أو قتل فقط أو تخيير ط (قوله بمباشرة بعضهم)؛ لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءا للبعض هداية (قوله وحجر) مبتدأ خبره كسيف (قوله لهم) أي لقطاع الطريق احترازا عن غيرهم فإنه لا يقتل بالقتل بحجر وعصا لكن القتل هنا ليس بطريق القصاص بل هو حد، وعن هذا قال في النهر: إن هذه الجملة كالتي قبلها معلومة من قوله قتل حدا إلا أنه أراد زيادة الإيضاح (قوله إن انضم إلى الجرح أخذ) لم يتقدم للجرح ذكر، فالأولى تعبير الكنز وغيره بقوله وإن أخذ مالا وجرح قطع إلخ قوله وإن جرح فقط) جواب الشرط قوله الآتي فلا حد كما سينبه عليه الشارح، وهذا شروع في ست مسائل لا حد فيها وحيث سقط الحد يؤاخذ بحقوق العباد من قصاص أو مال كما يأتي (قوله ولم يأخذ نصابا) أي بأن لم يأخذ شيئا أصلا أو أخذ ما دون النصاب؛ لأنه لما كان الأخذ الموجب للحد هو النصاب كان ما دونه بمنزلة العدم كما في البحر وتقدم أن الشرط أن يصيب كل واحد نصاب أي إذا كانوا جماعة ومثل ما دون النصاب الأشياء التي لا قطع فيها كالتافه، وما يتسارع إليه الفساد كما نبه عليه الزيلعي (قوله ولو كان مع هذا الأخذ) أي أخذ ما دون النصاب المفهوم من قوله ولم يأخذ نصابا فافهم (قوله؛ لأن المقصود هنا المال) أي أنه المقصود في قطع الطريق، وهذا جواب عن طعن عيسى بن أبان في المسألة أن القتل وحده يوجب الحد فكيف يمتنع مع الزيادة؟ قال الزيلعي: وجوابه أن قصدهم المال غالبا فينظر إليه لا غير، بخلاف ما إذا اقتصروا على القتل؛ لأنه تبين أن مقصدهم القتل دون المال فيحدون، فعدت هذه من الغرائب ا هـ. قلت: وبيانه أن قطع الطريق سمي سرقة كبرى؛ لأن مقصود القطاع غالبا أخذ المال، وأما القتل فإنما هو وسيلة إلى أخذ المال، لكن إذا أخافوا فقط أو قتلوا فقد رتب عليه الشرع حدا فيتبع؛ لأنه تبين أنه المقصود دون المال، أما إذا وجد مع ذلك أخذ مال ظهر أن مقصودهم ما هو المقصود الأصل وهو المال فحينئذ ينظر إليه، فإن بلغ نصابا لكل منهم وجب الحد لوجود شرطه وإلا فلا حد لعدمه، وحيث لا حد وجب موجب القتل من قصاص أو دية ووجب ضمان المال فافهم (قوله أو قتل عمدا) قيد بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالأولى بحر (قوله ومن تمام توبته رد المال إلخ) أي لينقطع به خصومة صاحبه، ولو تاب ولم يرده لم يذكره في الكتاب. واختلفوا فيه، فقيل لا يسقط الحد كسائر الحدود، وقيل يسقط أشار إليه محمد في الأصل؛ لأن التوبة تسقط الحد في السرقة الكبرى بخصوصها للاستثناء في النص، فلا يصح قياسها على باقي الحدود مع معارضة النص فتح. وظاهره ترجيح القول الثاني، فقول الشارح فقيل لا حد فيه نظر؛ لأنه يفيد ضعفه. والظاهر أن هذا الخلاف عند عدم التقادم لما في النهر عن السراج: لو قطع الطريق وأخذ المال ثم ترك ذلك وأقام في أهله زمانا ثم قدر عليه درئ عنه الحد؛ لأنه لا يستوفى مع تقادم العهد. ا هـ. قال في النهر: وبه علم أن مجرد الترك ليس توبة بل لا بد أن تظهر عليه سيماها التي لا تخفى (قوله أو كان منهم غير مكلف) أي صبي أو مجنون؛ لأنها جناية واحدة قامت بالكل فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة، وأنه لا يثبت الحكم كالعامد والمخطئ إذا اشتركا في القتل حيث لا يجب القود: وعن أبي يوسف يحد الباقون لو باشر العقلاء زيلعي (قوله أو أخرس) أي خلافا لأبي يوسف زيلعي (قوله أو كان ذو رحم محرم) كان تامة وذو فاعل والمراد به أحد القطاع، وقوله من أحد المارة متعلق بمحرم والعلة فيه كما فيما قبله، وشمل ما إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم أو لا، لكن لم يأخذوا إلا من ذي الرحم المحرم وما إذا أخذوا منه أو من غيره فلا يحدون في الأصح كما في النهر وغيره. [تنبيه] لو كان في القافلة مستأمن لا يمتنع الحد مع أن القطع عليه وحده يمنعه كما قدمناه، والفرق كما في الفتح أن الامتناع في حق المستأمن إنما كان لخلل في عصمة نفسه وماله وهو أمر يخصه، أما هنا فهو لخلل في الحرز والقافلة حرز واحد فيصير كأن القريب سرق مال القريب وغير القريب من بيت القريب (قوله أو شريك مفاوض) أي لو كان في المقطوع عليهم شريك مفاوض لبعض القطاع لا يحدون فتح، ومقتضاه أن شريك العنان ليس كذلك، وينبغي أنه لو كان مال الشركة معه في القافلة أنهم لا يحدون لاختلال الحرز تأمل (قوله أو قطع بعض المارة) أي القافلة وبه عبر في الكنز وهو أظهر، وإنما لم يقطع؛ لأن الحرز واحد وهو القافلة فصار كسارق سرق متاع غيره وهو معه في دار واحدة فتح (قوله وأقره المصنف) وكذا في الزيلعي والقهستاني عن الاختيار والفتح عن شرح الطحاوي (قوله وللولي القود إلخ) أي في المسائل المذكورة. وحاصله أنه إذا لم يجب الحد لم يصيروا قطاعا فيضمنون ما فعلوا من قتل عمد أو شبه عمد أو خطأ أو جراحة ورد المال لو قائما وقيمته لو هالكا أو مستهلكا، فتقييده بالقود يعلم منه حكم المال بالأولى، أو يراد بالأرش ما يشمل ضمان المال، والمراد بالولي من له ولاية المطالبة فيشمل صاحب المال، ويشمل المجروح أيضا في أولى المسائل المذكورة. وبه اندفع اعتراض البحر على الهداية بأن ذلك للمجروح لا لوليه؛ لأنه إن أفضى الجرح إلى القتل ينبغي أن يجب الحد ا هـ. أي لو مات بالجراحة يرجع إلى الحالة الثالثة، وهي ما لو قتل فقط فينبغي أن يحد فلا يكون لوليه القود. (قوله في ظاهر الرواية) كذا نص عليه في المبسوط وهو اختيار الطحاوي خلافا للكرخي من أن المرأة كالصبي وهو ضعيف الوجه مع مصادمته لإطلاق القرآن، فالعجب ممن عدل عن ظاهر الرواية كصاحب الدراية والتجنيس والفتاوى الكبرى وغيرهم وتمامه في الفتح (قوله هو المختار) قال في الشرنبلالية: هذا غير ظاهر الرواية (قوله قتلن) أي قصاصا لا حدا بدليل قوله وضمن المال، وهذا بناء على أن المرأة لا تكون قاطعة طريق، قال في الشرنبلالية: هو كذلك مبني على خلاف ظاهر الرواية كما في الفتح. ا هـ. ح. قلت: فكان ينبغي للشارح عدم ذكر هذين الفرعين لمخالفتهما لما مشى عليه المصنف من ظاهر الرواية (قوله ويجوز أن يقاتل دون ماله) أي تحت ماله أو فوقه أو قدامه أو وراءه، فإن لفظ دون يأتي لمعان المناسب منها ما ذكرنا وقال بعضهم على ماله (قوله وإن لم يبلغ نصابا) أي نصاب السرقة وهو عشرة دراهم كما في منية المفتي. وفي التجنيس: دخل اللص دارا وأخرج المتاع فله أن يقاتله ما دام المتاع معه لقوله عليه الصلاة والسلام: «قاتل دون مالك» فإن رمى به ليس له أن يقتله؛ لأنه لا يتناوله الحديث. وفي البزازية وغيرها: رجل قتله رب الدار، فإن برهن أنه كابره فدمه هدر، وإلا فإن لم يكن المقتول معروفا بالسرقة والشر قتل به قصاصا، وإن كان منهما تجب الدية في ماله استحسانا؛ لأن دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا في المال. وفي الفتح أخذ اللصوص متاع قوم فاستغاثوا بقوم فخرجوا في طلبهم، فإن كان أرباب المتاع معهم أو غابوا لكن يعرفون مكانهم ويقدرون على رد المتاع عليهم حل لهم قتال اللصوص، وإن كانوا لا يعرفون مكانهم ولا يقدرون على الرد لا يحل وتمامه فيه. (قوله بكسر النون) أي ككتف وتسكن للتخفيف ومثله الحلف والحلف وفعله من باب قتل مصباح (قوله في المصر) وكذا في غيره كما في شرح الشلبي عن الجامع الصغير، فهو قيد اتفاقي بل غير المصر يعلم بالأولى، وإنما قيد به لئلا يتوهم أنه لا يكون كذلك في المصر كما في قطع الطريق (قوله أي خنق مرارا) أراد مرتين فصاعدا بقرينة قوله الآتي وإلا بأن خنق مرة. وفي البحر: قيد بتعدده؛ لأنه لو خنق مرة واحدة فلا قتل عند الإمام (قوله سياسة) قدمنا الكلام عليها في حد الزنا (قوله وكل من كان كذلك) كاللوطي والساحر والعواني والزنديق والسارق كما قدمناه في أوائل باب التعزير (قوله عند غير أبي حنيفة) أي عند صاحبيه ومن وافقهما من باقي الأئمة، أما عند أبي حنيفة فتجب الدية على عاقلته كما في البحر والله سبحانه أعلم. بسم الله وبحمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وجنده. وبعد: فيقول مؤلفه أفقر العباد إلى عفو مولاه يوم التناد محمد أمين الشهير بابن عابدين، خادم العلوم الشرعية، في دمشق الشام المحمية قد نجز تسويد هذا النصف المبارك، بعون الله جل وتبارك من الحاشية المسماة [رد المحتار، على الدر المختار] في صفر الخير سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف، من هجرة نبينا محمد الذي تم به الألف صلى الله عليه وسلم وشرفه وعظم، فجاء بحمد الله تعالى مكملا فرعا وأصلا، [ردا للمحتار على الدر المختار] اسما وفعلا، لاشتماله على تنقيح عباراته، وتوضيح رموزه وإشاراته، والاعتناء ببيان ما هو الصحيح المعتمد، وما هو معترض ومنتقد، وتحرير المسائل المشكلة، والحوادث المعضلة، التي لم يوضح كثيرا منها أحد قبل ذلك، ولا سلك مهمة بيانها سالك مشحونا بذخائر زبر المتقدمين، وخلاصة كتب المتأخرين، ورسائلهم المؤلفة في الحوادث الغريبة، الجامعة للفوائد العجيبة كرسائل العلامة ابن نجيم الأربعين، ورسائل العلامة الشرنبلالية الستين، وكثير من رسائل العلامة علي القاري خاتمة الراسخين ورسائل سيدي عبد الغني النابلسي الحبر المتين ورسائل العلامة قاسم خاتمة المجتهدين. وحواشي البحر والمنح والأشباه وجامع الفصولين للفهامة الشيخ خير الدين، وفتاويه الخيرية وفتاوى ابن الشلبي والرحيمي والشيخ إسماعيل والفتاوى الزينية والتمرتاشية والحامدية وفتاوى غيرهم من المفتين وتحويرات شيوخنا ومشايخهم المعتبرين، وما من به الله تعالى على عبده من الرسائل التي ناهزت الثلاثين، وما حررته ونقحته في كتابي تنقيح الفتاوى الحامدية الذي هو بهجة الناظرين، وغير ذلك من كتب السادة الأخيار المعتمدين، مع بيان ما وقع من سهو أو غلط في كتب الفتاوى وكتب الشارحين، ولا سيما ما وقع في البحر والنهر والمنح والأشباه والدرر وكتب المحشين، حتى صار بحمد الله تعالى عمدة المذهب، والطراز المذهب، ومرجع القضاة والمفتين، كما يعلمه من غاص بأفكاره في تياره من العلماء العاملين، الخالين عن داء الحسد المضني للجسد الصادقين المنصفين. فدونك كتابا قد أعملت فيه الفكر، وألزمت فيه الجفن السهر، وغرست فيه من فنون التحرير أفنانا، وفتقت فيه عن عيون المشكلات أجفانا، وأودعت فيه من كنوز الفوائد، عقود الدرر الفرائد، وبسطت فيه من أنفع المقاصد، أحسن الموائد، وجلوت فيه على منصة الأنظار، عرائس أبكار الأفكار، وكشفت فيه بتوضيح العبارات، قناع المخدرات، ولم أكتف بتلويح الإشارات، عن تنقيح كشف تحرير الخفيات، فهو يتيمة الدهر، وغنيمة أهل العصر، وما ذاك إلا بمحض إنعام المولى، الذي هو بكل حمد وشكر أحق وأولى، حيث أبرز هذه الجواهر المكنونة، والدرر الفرائد المصونة، في ميمون أيام خليفة الله في أرضه، القائم بواجب حقه وفرضه، رافع ألوية الشريعة البديعة ومؤيدها، وموطد أبنيتها المنيعة والرفيعة ومشيدها، المجاهد في سبيل الله حق جهاده، والقاطع لدابر الكافرين بحده واجتهاده، الذي ابتسمت ثغور البلاد ببارقات مرهفاته، وبكت عيون عيون ذوي العناد بقاهرات عزماته، وأبدع نظام كتائب الجيوش بآرائه السديدة، ورفع أفئدة الأكاسرة القياصرة بقوة بطشته الشديدة. يكاد سنا برق طلعته يذهب بالأبصار، وغصن رأفته يميس لينا كميس الأغصان ذات الأزهار، وتكاد صواعق سطوته تزيح صم الجبال، ومواكب كتائب حوزته تفتي عدد الرمال، من أنام الأنام في أيامه في ظل الأمان، ورعى الرعية في مراعي الرعاية والإحسان، وأنار بنوار رياض أمنه بلاد المسلمين فضاء فضاء صدورهم بنور اليقين، وأزاح غيوم غمومهم بردع المشركين، فلاح فلاح قلوبهم لأعين الناظرين، راح وراح غفلاتهم بإيقاظ النائمين، فصاح فصاح ألسنتهم بالدعاء له كل حين: خليفة خلفت أنوار غرته شمس الضحى ونداه يخلف الديما سالت فواضله للمعتفي نعما صالت نواضله للمعتدي نقما السلطان الأعظم، والخاقان الأفخم، تاج ملوك العرب والعجم، ظل الله في أرضه للأمم، محمود الذات، ممدوح الصفات، لا زالت دعائم سلطنته قائمة، وعيون الحوادث عنها نائمة، ولا برحت رياض عزته مخضرة بديم الديمومة والأبود، ورياحين ذريته ريانة بطلاوة التأبيد والخلود، ولا زالت أعيان دولته من علمائه وقضاته ووزرائه، يزيل نبراس آرائهم دجى الجور بسناه وسنائه، ولا فتئت نجوم جنوده الساطعة في أفلاك سمائه، شهبا ثواقب على مردة أعدائه، آمين آمين آمين. وهذا، وقد نجز هذا السفر المسفر، عن روض أريض مزهر، مقابلة وتصحيحا بحسب الإمكان، سوى ما شذ بعروض سهو أو نسيان، لا تخلو عنه جبلة الإنسان، وذلك برسم من أمر باستكتابه، رغبة في نيل رضا مولاه وثوابه الإمام الهمام، علي القدر والمقام، من امتطى الجوزاء بزمام وصال في مواكب العز وحام، واشتهر اشتهار البدر في الظلام، قاضي قضاة الإسلام، منفذ القضايا والأحكام بالإتقان والإحكام، ذي الخيرات الحميدة، والمآثر الفريدة التي لا ترام، مولانا عبد الحميد أفندي كجه جى زاده القاضي سابقا بدمشق الشام، دام في عز وإنعام، ومجد واحترام، بجاه من هو للأنبياء ختام، وآله وصحبه السادة الكرام، عليه و عليهم الصلاة والسلام، في البدء والختام. ولكل المسلمين آمين آمين آمين.
|